
هل يمكن لسلام أن يولد فوق أكوام الجثث؟ هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه اليوم في قلب الشرق الأوسط، حيث السياسة الأميركية والدولة الإسرائيلية تتشابكان في لعبة لا تعرف الرحمة.
الفيلسوف الروماني إميل سيوران تساءل عن مهمة الشيطان: هل وُكلت لفرد بعينه، أم للبشرية جمعاء؟ وفي رسالته الساخرة، قال آل باتشينو لإبليس: “الأمور هنا تسير كما تشتهي، الناس أصبحوا أسوأ منك”.
وكأن العالم اليوم يجيب على نفسه.
ترامب وجائزة نوبل للسلام مثال صارخ على هذا التناقض.
الرجل الذي زود نتنياهو بالقنابل لتدمير غزة، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين، يُمنح جائزة السلام. هل هذا تقدير للسلام، أم شهادة على الفوضى الأخلاقية التي طغت على القرار الدولي؟ Pax Americana ليست إلا Pax Israeliana، سلام أميركي على مقاس المصالح الإسرائيلية، فوق جماجم الأبرياء.
من “مبدأ أيزنهاور” عام 1956 إلى اليوم، كانت أميركا تملأ الفراغ في الشرق الأوسط، مستغلة الصراعات الداخلية والانقسامات القبلية لتبقي النفوذ في يدها. والصينيون والدببة الروسية لم يكونوا سوى ظلال على المسرح، لا تأثير حقيقي.
النتيجة: ما يسميه البعض سلام “البجعة السوداء”، ضبابي، ملتبس، قائم على الانقسام والاستغلال السياسي.
دومينيك دوفيلبان، رئيس الوزراء الفرنسي السابق، كان يتساءل: هل الشيطان هذه المرة ارتدى أجنحة بيضاء؟ نحن نرى أن الشيطان، منذ قايين وهابيل، ما زال يتدحرج عبر الأزمنة، يتربص بالمنطقة، ويستقر في عقر دارنا.
نحن، ببساطة، قتلى الحرب الأميركية، كما نحن قتلى السلام الأميركي. والتهليل لخطة ترامب لا يخفي الحقيقة المرة: جثث الأطفال والنساء ما زالت تُنتشل من تحت الأنقاض في لبنان وغزة. والمؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف يطرح السؤال الصريح هل الحلم الأميركي في الشرق الأوسط يختلف عن الحلم الإسرائيلي؟ الواقع يقول: ربما لا


