عربية

قمة الدوحة.. اختبار لقدرة العرب على استعادة زمام المبادرة


تنعقد القمة العربية الطارئة في الدوحة في لحظة إقليمية شديدة التعقيد، إذ يترقب العالم ما إذا كانت الدول العربية قادرة على تجاوز خلافاتها الداخلية وصياغة موقف موحد إزاء الحرب في غزة. ورغم الطابع الطارئ للاجتماع، فإن نتائجه قد تحدد مستقبل الدور العربي في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لسنوات قادمة.

أحد السيناريوهات الأكثر تفاؤلًا يتمثل في نجاح القمة في إنتاج توافق سياسي يمنح غطاءً إقليميًا للوساطة القطرية المصرية، مدعومًا بغطاء سعودي وبانفتاح غير مباشر على كل من تركيا وإيران. في حال تحقق هذا المسار، فإنه لن يقتصر على وقف مؤقت لإطلاق النار، بل قد يؤسس لآلية عربية – دولية لمراقبة التهدئة، ما يعيد العرب إلى مقعد الفعل لا مقعد المتفرج. الأثر الاستراتيجي الأبعد سيكون فتح نافذة جديدة أمام عملية سياسية قد تُعيد النقاش حول الحل النهائي، في وقت تكاد فيه المسارات التفاوضية أن تكون مجمدة بالكامل.

السيناريو الثاني، وهو الأكثر شيوعًا في التجارب السابقة، يقوم على إصدار بيان إدانة قوي ضد إسرائيل دون أن يرافقه إطار عملي. هذا الخيار يمنح القمة زخماً إعلاميًا قصير الأجل، لكنه يرسخ استمرار العمل الفردي لقطر ومصر بعيدًا عن غطاء عربي شامل. على المدى البعيد، سيعني ذلك إضعاف الدور العربي وتسليم زمام المبادرة مجددًا للقوى الكبرى، وهو ما قد يكرس تراجع الثقة الشعبية بالمؤسسات الإقليمية.

في المقابل، يطرح البعض سيناريو ثالث أكثر اندفاعًا يقوم على التصعيد الدبلوماسي والاقتصادي، من خلال مراجعة اتفاقيات التطبيع أو استخدام أوراق الطاقة والتجارة للضغط على الغرب، فضلًا عن تحريك مسار قانوني ضد إسرائيل في المحافل الدولية. مثل هذا الخيار يعيد للأذهان لحظات الحشد العربي في أعقاب حرب 1973، غير أن كلفته السياسية كبيرة، خاصة أنه قد يفتح مواجهة مع الولايات المتحدة وأوروبا، ما يستدعي حسابات دقيقة لضمان استمراريته.

أمّا السيناريو الرابع والأكثر خطورة فيتمثل في فشل القمة في صياغة توافق بسبب انقسامات عميقة تتعلق بمسائل التطبيع والتحالفات الإقليمية. صدور بيان عام بلا آليات سيكون بمثابة تكريس لعجز عربي جماعي، ويفتح الباب أمام تحركات منفردة أو عبر أطر بديلة مثل منظمة التعاون الإسلامي. الأثر الاستراتيجي لهذا المسار هو إضعاف مكانة العرب وإتاحة هامش أوسع لإسرائيل لتعزيز تحالفاتها مع الغرب.

خلاصة القول إن قمة الدوحة ليست مجرد اجتماع استثنائي، بل اختبار لقدرة النظام العربي على إعادة إنتاج نفسه كفاعل مؤثر في لحظة إقليمية فارقة. النجاح في بلورة موقف موحد سيمنح العرب موقعًا تفاوضيًا أفضل ويعزز صورتهم كوسطاء فاعلين، بينما الفشل سيعني استمرار تآكل الدور العربي لصالح قوى إقليمية ودولية أخرى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى