
بقلم رشا فوزي
لم يعد “دجلة الخير” بخير. النهر الذي شكّل عبر التاريخ شريان الحياة للعراق، يواجه اليوم أخطر مراحله من الجفاف والتلوث وتراجع المناسيب المائية، في ظل أزمات مناخية وإدارية تهدد مستقبله الوجودي.
انخفاض غير مسبوق في المناسيب
تشير تقارير وزارة الموارد المائية العراقية إلى أن مناسيب نهر دجلة انخفضت بنسبة تفوق 60% خلال السنوات الخمس الأخيرة، نتيجة لانخفاض الإطلاقات المائية من تركيا وسوريا، فضلاً عن تزايد معدلات التبخر وندرة الأمطار.
وباتت بعض المناطق الوسطى والجنوبية تشهد جفافًا جزئيًا للمجاري الفرعية، ما أدى إلى تراجع كبير في الزراعة وهجرة المزارعين من أراضيهم.
تأثيرات بيئية واقتصادية
الجفاف المتواصل انعكس بشكل مباشر على الأمن الغذائي والبيئي. إذ حذر خبراء من أن أكثر من 40% من الأراضي الزراعية مهددة بالتصحر، فيما انخفض إنتاج الأسماك بنسبة كبيرة بسبب التلوث وارتفاع الملوحة في المياه القادمة من الجنوب.
كما ارتفعت معدلات تلوث النهر نتيجة تصريف مياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية مباشرة إلى مجراه دون معالجة، ما جعل دجلة أحد أكثر الأنهار تلوثًا في المنطقة، وفق دراسات محلية.
أسباب سياسية وإدارية
يُجمع المراقبون على أن جزءًا كبيرًا من الأزمة يعود إلى ضعف الدبلوماسية المائية العراقية في مواجهة مشاريع السدود التركية والإيرانية، التي قللت بشكل حاد من كميات المياه المتدفقة نحو العراق.
كما تُتهم الجهات المحلية بالتقصير في إدارة الموارد المائية داخليًا، نتيجة غياب الخطط الإستراتيجية، وتدهور شبكات الري، والاعتماد المفرط على الأساليب الزراعية التقليدية.
إنذار وطني
يحذر مختصون من أن استمرار الوضع الراهن قد يجعل بغداد والبصرة ومدن الجنوب مهددة بأزمات مياه خانقة خلال السنوات القادمة.
ويرى الخبراء أن إنقاذ دجلة يتطلب خطة وطنية عاجلة تشمل التفاوض الجاد مع دول المنبع، وتفعيل مشاريع تحلية المياه ومعالجة الصرف، إلى جانب نشر الوعي المائي بين المواطنين.
دجلة.. قضية وجود لا تُؤجل
يبقى دجلة أكثر من مجرد نهر؛ إنه رمز العراق وذاكرته الحيّة. وحين يضعف دجلة، يضعف البلد بأسره. لذلك فإن الحفاظ عليه مسؤولية وطنية تتجاوز الحكومات إلى كل مواطن.
فإنقاذ “دجلة الخير” هو إنقاذ للعراق نفسه، قبل أن تتحول أرض الرافدين إلى صحراء تفتقد حتى لمائها الأول.



