الاخبارمحلية
أخر الأخبار

عشيرة الدولة… عندما تتحوّل الحكومة إلى مؤسسة عشائرية

منذ أن تولّى محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء، كان يُروّج لنفسه باعتباره رجل المرحلة، القادم من خلفية “إدارية” لا طائفية، يسعى لإعادة هيبة الدولة وإصلاح مؤسساتها. لكن الواقع العملي يكشف عن مسار مغاير تمامًا، مسار يعيدنا إلى أنماط الحكم السابقة التي حكمت العراق بمنطق العائلة والعشيرة، لا بمبادئ الدولة الحديثة.

فمع مرور الوقت، تكشّفت تعيينات كثيرة داخل أجهزة الدولة، منح فيها السوداني مناصبَ حساسة لعدد من أبناء عشيرته، وبعضهم بلا خبرة أو مؤهل فعلي، وكأن الدولة باتت ملكًا خاصًا يُدار على أساس القرب الدموي، لا الكفاءة ولا النزاهة.

من النظام السابق إلى النسخة المحدَّثة

في عهد النظام السابق، كانت الدولة تُدار بمنطق العائلة. من الأمن إلى الاقتصاد، كانت الأسماء تُختار من ذات السلسلة العائلية التي تضمن الولاء المطلق، وتقصي أي معارضة محتملة.
ويبدو أن السوداني – دون أن يصرّح – قرر أن يُحيي هذه التجربة بثوبٍ ديمقراطي، لكنه مفرغ من أي مضمون وطني.

ما يحدث الآن هو نموذج محدث لـ”عراق صدامي” بنكهة ناعمة: حيث تتوزع مفاصل الدولة بين أبناء العشيرة، ويُختصر الوطن في “البيت”، وتُغلق أبواب الدولة أمام الكفاءات الوطنية الصادقة، فقط لأنهم “لا ينتمون”.

من النقد إلى التهديد العشائري

الأخطر من التعيينات هو ما تلاها من سلوكٍ يُذكّرنا بأزمنة القمع والتهديد.
فقد خرجت عشيرة رئيس الوزراء مؤخرًا ببيان أو تصريح تهديدي صادم، على خلفية انتقادات وجّهها المفكر العراقي المعروف (غالب الشابندر)حيث قالت نصًا
(ردّيناها طگ، مو استنكار)

هذه العبارة الخطيرة ليست مجرد انفعال عشائري، بل تعبير صريح عن عقلية لا تتحمّل النقد، وتلجأ إلى لغة السلاح بدل الرد الفكري أو القانوني. فحين يُهدَّد مفكرٌ وكاتبٌ علنًا بهذه الطريقة فقط لأنه انتقد تمركز السلطة بيد العشيرة، فإننا لا نعيش في دولة مؤسسات، بل في ظل منظومة عشائرية ترتدي ربطة عنق.

هل يُعقل أن يُواجه كاتب أو أكاديمي التهديد لمجرد أنه كتب رأيًا؟ أهذه هي الدولة التي يُراد بناؤها؟
حين تتحوّل العشيرة إلى مؤسسة فوق الدولة، وتستعمل خطاب “الطگ” بدل القانون، فإننا أمام كارثة سياسية واجتماعية تُمهّد لشرعنة العنف ضد كل صوت معارض.

هل الدولة للجميع أم للعشيرة فقط؟

العراقيون لم يضحّوا بكل ما مرّ بهم ليعيدوا إنتاج “جمهورية الأقارب” أو “عراق العشيرة الحاكمة”.
الدولة لا تُبنى بالاستثناءات، ولا تستقيم حين تُختصر في عائلة واحدة مهما بلغ شأنها.
الوظيفة العامة ليست مكرمة، ولا إرثًا يُوزَّع على أبناء العمومة، بل حق لكل مواطن كفء، بغضّ النظر عن نسبه.

تعيين الأقارب، ثم الدفاع عنهم، ثم تهديد من ينتقدهم، هو انزلاق خطير إلى قاع الاستبداد. ومن يظن أن العراقيين سيتسامحون مع هذا النوع من “العسف الناعم”، فهو واهم.

في الختام

على محمد شياع السوداني أن يعي جيدًا أن العراق اليوم ليس عراق 1980، وأن الناس تراقب، وتُسجّل، ولن تصمت طويلاً.
التهديدات لا تُسكت الأفكار، والعشائر ليست فوق الدستور، وإن بقيت هذه العقليات هي الحاكمة، فإنها لن تصنع دولة، بل ستحوّلنا إلى ضيعة تُدار بالمزاج العائلي والعنف المبطّن.

الدولة التي لا تحتمل النقد، ولا تحمي المفكرين، ولا تُعيّن إلا المقربين، ليست دولة – بل مشروع سقوط مؤجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى