الاخبارعربية

إسرائيل بين هزيمة الميدان وطموح النصر السياسي..لا تمنحوها طوق النجاة

تسعى إسرائيل، بعد أشهر من حرب الإبادة على غزة، إلى تحويل فشلها العسكري إلى مكسب سياسي، يعيد تلميع صورتها دوليا ويُبقي على حكومة بنيامين نتنياهو المتداعية. لكنّ الطريق إلى ذلك يمر عبر البوابة العربية، وتحديدًا من خلال محاولات فتح مسار تطبيع جديد مع دول المنطقة. وهنا يبرز السؤال: هل تمنح العواصم العربية تل أبيب طوق نجاة بعد حربٍ كشفت وحشيتها أمام العالم؟

فشل الحرب.. وانكشاف مشروع الهيمنة

لم تحقق حرب الإبادة أهداف نتنياهو المعلنة: لم يُستعد المحتجزون بالقوة، ولم يُنه وجود حماس، ولم تُخضع غزة لمنظومة الهيمنة الإسرائيلية كما خُطط. رغم استخدام كل أشكال العنف والتدمير، ودعم واشنطن اللامحدود، حشدت إسرائيل أكثر من 90% من قوتها العسكرية لمواجهة مليوني فلسطيني محاصرين في مساحة لا تتجاوز 300 كيلومتر مربع، ومع ذلك فشلت في فرض إرادتها.

تلك الهزيمة لا تعني فشلًا تكتيكيًا فحسب، بل انهيارًا في مشروع التوسع الإسرائيلي الذي كان يطمح للعبور من بوابة غزة إلى النفوذ في سورية ولبنان والسعودية والسودان وليبيا، لتصبح تل أبيب القوة المهيمنة على الشرق الأوسط. سقوط هذا المشروع يعني أن أي محاولات لتجميل الهزيمة عبر مسارات سياسية يجب أن تُواجه برفضٍ عربي حازم.

الأولوية: وقف الحرب وترسيخ السلام

إن وقف الحرب وإنهاء العدوان على غزة يجب أن يظل أولوية قصوى للدبلوماسية العربية. وأي عملية سلام لا تقوم على وقف الإبادة ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان ستكون مجرد غطاء لإعادة إنتاج الأزمة ذاتها.

لهذا لا ينبغي أن تحصل إسرائيل على جوائز مجانية عبر تطبيعٍ سريع مع دول عربية أو إسلامية، مثل السعودية أو سورية أو إندونيسيا أو باكستان. فالتطبيع قبل تحقيق العدالة للفلسطينيين لن يكون سوى إعادة منح الشرعية لدولة تخرق القانون الدولي وتواصل احتلالها بالقوة.

الرياض.. بين الثبات السياسي ودور القيادة

في مرحلة ما بعد الحرب، تتجه الأنظار إلى الدبلوماسية السعودية التي تمسك بخيوط مؤثرة في الملف الفلسطيني والإقليمي. فالسعودية قادرة على إعادة توجيه مسار السلطة الفلسطينية من خلال أدوات الضغط السياسي والمالي، كما تستطيع تنسيق المواقف مع عواصم عربية وإسلامية مؤثرة، مثل القاهرة ودمشق وجاكرتا، لمواجهة الضغوط الإسرائيلية نحو التطبيع.

الموقف السعودي، كما تؤكد المؤشرات، واضح لا لبس فيه: لا تطبيع قبل بدء خطوات عملية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة وفق قرارات الأمم المتحدة. ويتضمن ذلك أربعة شروط أساسية: إنهاء الحرب، رفع الحصار، وقف الاستيطان، وإنهاء الاحتلال. وهي شروط تتوافق مع الإرادة الدولية وتؤسس لسلام حقيقي ودائم.

كما أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطر عزّز من صلابة الموقف السعودي، وقلّص احتمالات منح إسرائيل أي مكسب دبلوماسي مجاني. فالعواصم العربية تدرك أن التطبيع مع حكومة تمارس عدوانًا مفتوحًا سيكون بمثابة مكافأة على الجريمة.

ما بعد الإعمار.. الحاجة إلى مشروع سلام عربي

تتصاعد الدعوات الدولية لإعادة إعمار غزة، لكن الإعمار لا يمكن أن يتم قبل تثبيت سلامٍ حقيقي يضمن عدم تجدد الحرب. فالتجربة السابقة بعد اتفاق أوسلو أظهرت أن غياب رؤية عربية متكاملة سمح لإسرائيل بتفريغ الاتفاقات من مضمونها.

اليوم، المطلوب مشروع عربي شامل للسلام يربط بين إعادة الإعمار وبناء الدولة الفلسطينية على أسس قانونية وسياسية واقتصادية وأمنية واضحة، ويقطع الطريق على محاولات تل أبيب تحويل الأرض المحتلة إلى “مناطق متنازع عليها” وفق الرواية الإسرائيلية.

نتنياهو.. من فشل الحرب إلى معركة البقاء

يحاول نتنياهو، رغم الانقسامات الداخلية والاتهامات بالفساد، تحويل هزيمته العسكرية في غزة إلى انتصار سياسي يُبقيه في الحكم. ويضغط على المجتمع الدولي للحصول على غطاء سياسي جديد، عبر استئناف التطبيع أو تعديل اتفاق شرم الشيخ. لكن من مصلحة العرب حرمانه من ذلك الطوق الذي ينقذه من السقوط.

فلا يمكن بناء سلامٍ حقيقي بوجود حكومة تتبنى خطابًا عنصريًا متطرفًا وتدير حرب إبادة ضد شعبٍ أعزل. إسقاط هذه الحكومة المتطرفة لا يعني فقط حماية الفلسطينيين، بل حماية أي فرصة واقعية لتحقيق سلامٍ مستقر في الشرق الأوسط.

خاتمة: لا مكاسب مجانية بعد المجازر

لقد فقدت إسرائيل في غزة ما كانت تعتبره “رصيد الردع” الإقليمي، وتحاول اليوم استعادته عبر السياسة والدبلوماسية. ومن واجب العواصم العربية أن تمنع تحويل الهزيمة العسكرية إلى نصرٍ سياسي، وألّا تُمنح حكومة نتنياهو جائزة التطبيع بعد كل ما ارتكبته من جرائم. فإسقاط مشروع الإبادة والهيمنة هو المدخل الوحيد إلى شرقٍ أوسط أكثر عدلًا واستقرارًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى