
في خطوة لافتة على الساحة السياسية الأميركية، صوّت مجلس النواب على إلغاء التفويضات القانونية التي استُخدمت في حرب الخليج عام 1991 والحرب على العراق عام 2003. القرار الذي يُنظر إليه على أنه تحوّل رمزي وعملي في السياسة الأميركية تجاه العراق، أثار ردود فعل مختلفة، من بينها تعليقات لخبراء ومسؤولين عراقيين اعتبروا الخطوة بداية لإغلاق صفحة مظلمة من التاريخ الحديث، والتأكيد على أن العلاقات بين بغداد وواشنطن تدخل مرحلة جديدة بعيداً عن مبررات الحروب القديمة.
وأكدت وزارة الخارجية أن إلغاء الكونغرس لتفويضات الحرب يمثل خطوة مهمة لتعزيز الشراكة مع واشنطن ويرسخ مبدأ احترام السيادة العراقية، مشيرة إلى أن ذلك يعكس تطور العلاقات بين البلدين. وقال وكيل الوزارة هشام العلوي إن تصويت الكونغرس على إلغاء تفويض الحرب على العراق يعني إنهاء القوانين القديمة التي كانت قد منحت الرؤساء الأميركيين، جورج بوش الأب عام 1991 وجورج بوش الابن عام 2002، صلاحيات واسعة لشن الحرب على العراق من دون الحاجة للعودة إلى الكونغرس في كل مرة.
وأضاف العلوي أن هناك نوعين رئيسيين من التفويضات التي منحت للولايات المتحدة في السابق: الأول صدر عام 1991 لشن حرب الخليج وتحرير الكويت من احتلال نظام صدام حسين، والثاني عام 2002 لشن الحرب على العراق وإسقاط النظام. وأشار إلى أن أهمية إلغاء هذه التفويضات في الوقت الحالي تكمن في أن العراق لم يعد تحت حكم صدام حسين، وبالتالي لم تعد هناك مبررات قانونية لبقائها. كما أن الخطوة تمنع أي رئيس أميركي مستقبلاً من استغلال هذه الصلاحيات لشن عمليات عسكرية في العراق أو المنطقة من دون موافقة الكونغرس.
وأوضح أن القرار يحمل دلالة رمزية مهمة، إذ يسهم في تحسين العلاقات مع العراق، ويؤكد أن الولايات المتحدة لم تعد في حالة حرب معه. لكنه بيّن أن الإلغاء لا يشمل العمليات الجارية حالياً مثل التعاون العسكري ضد تنظيم داعش، كونها تتم بموجب اتفاقيات وتفاهمات جديدة، وليست مبنية على قوانين الحرب القديمة.
وكان مجلس النواب الأميركي قد صوّت في وقت سابق على إلغاء المبررات القانونية التي استُخدمت لمهاجمة العراق في عامي 1991 و2003، في إطار مساعٍ جديدة من الكونغرس لسحب السلطة من الرئيس في مسائل تتعلق بإعلان الحروب. ويأتي هذا التحرك بعد قرارات الرئيس السابق دونالد ترامب باستخدام القوة العسكرية في ملفات عدة، ما أعاد النقاش حول جدوى استمرار هذه التفويضات.
وقد عبّر مشرّعون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري عن قلقهم منذ سنوات بشأن استمرار العمل بهذه القوانين، معتبرين أنها تفتح المجال أمام إساءة استخدام السلطة التنفيذية. وصوّت مجلس النواب على الإجراء بأغلبية 261 مقابل 167، حيث أيّده 212 نائباً ديمقراطياً و49 جمهورياً. وأُدرج التعديل في قانون تفويض الدفاع الوطني السنوي، الذي أُقر لاحقاً. وقدمه النائب الديمقراطي غريغوري ميكس من نيويورك والنائب الجمهوري تشيب روي من تكساس.
وخلال مناقشات المجلس، وصف ميكس هذه التفويضات بأنها “عفا عليها الزمن منذ فترة طويلة”، مؤكداً أنها تنطوي على مخاطر استغلالها من قبل أي إدارة، وشدد على أن الوقت قد حان ليستعيد الكونغرس سلطته الدستورية في مسائل الحرب والسلام. في المقابل، اعترض النائب الجمهوري براين ماست، رئيس لجنة الشؤون الخارجية، على التعديل لأسباب إجرائية، موضحاً أنه رغم وجود اتفاق واسع على إنهاء هذه التفويضات، إلا أن المسألة تستحق أن تُعالج وفق إجراءات أكثر صرامة.
جدير بالذكر أن مجلس الشيوخ الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون عام 2023 كان قد أقر إجراءً مشابهاً بدعم 48 ديمقراطياً و18 جمهورياً، لكنه لم يُطرح للتصويت في مجلس النواب حينها الذي كان تحت سيطرة الجمهوريين. كما أن مجلس النواب كان قد صوّت عام 2021 لصالح إلغاء تفويض 2002 بأغلبية ديمقراطية، لكنه تعثر لاحقاً في مجلس الشيوخ رغم أن كلا المجلسين كانا تحت سيطرة الديمقراطيين.