محلية

السوداني يغيّر رأس الوقف السني.. خطوة إصلاح أم إعادة تدوير؟”

 

بغداد – في الثامن عشر من أيلول 2025 أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إعفاء الدكتور مشعان محي الخزرجي من مهامه كرئيس ديوان الوقف السني وتكليف عامر شاكر الجنابي برئاسته بالوكالة لمدة ستة أشهر. القرار جاء بناءً على كتاب رسمي من المجمع الفقهي العراقي واستناداً إلى المادة الرابعة من قانون الوقف السني رقم 56 لسنة 2012.

القرار لم يأتِ بمعزل عن السياق السياسي والديني المعقد الذي يحيط بهذه المؤسسة، فالوقف السني ليس مجرد هيئة إدارية بل هو مؤسسة ذات بعد اجتماعي وروحي وسياسي، تعكس طبيعة التوازنات داخل المكون السني وتؤثر بشكل مباشر في صورة الدولة العراقية أمام جمهورها.

إعفاء الخزرجي جاء بعد فترة من الجدل حول قراراته، أبرزها تضارب الإعلان بشأن موعد عيد الفطر، الأمر الذي اعتبره كثيرون خضوعاً لضغوط سياسية أكثر من كونه اجتهاداً فقهياً. هذه الواقعة كشفت حجم التداخل بين المؤسسة الدينية والسلطة السياسية في العراق.

أما تعيين الجنابي فقد أثار بدوره جدلاً واسعاً، إذ ظهرت على وسائل التواصل اتهامات تتعلق بملفات مالية، غير أن هذه المزاعم لم تثبت أمام القضاء حتى اللحظة. ورغم ذلك فإن مجرد تداولها يعكس أزمة الثقة التي يواجهها الوقف السني في نظر قطاع واسع من الشارع. تصريحات الجنابي الأولى ركزت على ضرورة إبعاد الديوان عن الحسابات الانتخابية والمناكفات السياسية.

البعد السياسي للقرار لا يقل أهمية عن جانبه الإداري، فالسوداني يسعى عبر هذه الخطوة إلى تعزيز موقعه كراعٍ للتوازنات الدينية، وإلى تقديم نفسه بوصفه رئيس وزراء قادرًا على ضبط المؤسسات الدينية وإبعادها عن الصراعات الحزبية. غير أن المجتمع السني نفسه منقسم بين تيارات متعددة، ولكل منها نفوذ داخل الوقف أو مصالح مرتبطة به.

الخطوة إذن تحمل أبعاداً متعددة: فهي استجابة لمطالب فقهية واجتماعية، ومحاولة سياسية لإعادة توزيع مراكز القوى داخل المكون السني. وفي الوقت نفسه تبقى مصداقية المؤسسة مهددة إذا لم يُفتح ملف الاتهامات بطريقة قانونية شفافة.

إن إصلاح مؤسسة الوقف السني يحتاج قبل كل شيء إلى إرادة سياسية تفصل بين سلطة الدولة ومتطلبات العمل الديني، بحيث لا تتحول رئاسة الديوان إلى أداة بيد الأحزاب أو ساحة لتصفية الحسابات. الطريق الأمثل يكمن في إعادة النظر بآليات اختيار القيادات عبر اعتماد معايير الكفاءة والنزاهة، وإشراك هيئات رقابية مستقلة تضمن الشفافية في إدارة الأموال والممتلكات. كما أن تعزيز دور المجمع الفقهي يجب أن يقترن بفتح قنوات للتواصل مع المجتمع المدني والأكاديميين.

من دون هذه الخطوات ستبقى المؤسسة أسيرة الأزمات، أما إذا جرى التعامل معها كأمانة وطنية لا كغنيمة سياسية، فإنها يمكن أن تتحول إلى رافعة حقيقية لنشر الاعتدال وخدمة المجتمع، وتستعيد ثقة الشارع السني والعراقي عموماً.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى