
تعيش الحدود بين باكستان وأفغانستان منذ أسابيع حالة من التوتر والاشتباكات المتقطعة التي حصدت أرواح عشرات المدنيين والعسكريين من الجانبين، في مشهد يعكس عبثية الصراع وغياب الرؤية السياسية المشتركة. فما يجري هناك لم يعد مجرد حادث أمني محدود، بل إنذار حقيقي بانزلاق العلاقات بين إسلام آباد وكابول نحو مواجهة مفتوحة لا منتصر فيها سوى الفوضى والتطرف.
أولًا، تُظهر هذه المواجهات بوضوح انعدام التنسيق الأمني والسياسي بين البلدين. فمنذ تولي حركة طالبان السلطة في كابول عام 2021، ظلت العلاقات الثنائية متوترة، تتأرجح بين الحذر والاتهامات المتبادلة. فإسلام آباد تتهم طالبان بالتساهل مع نشاط تحريك طالبان باكستان التي تنفذ عمليات داخل الأراضي الباكستانية انطلاقًا من الجانب الأفغاني، فيما ترى كابول أن باكستان تتجاوز حدودها السيادية وتحاول فرض أمر واقع على خط دوراند الحدودي المختلف عليه.
ثانيًا، الخسارة الأكبر يتحملها المدنيون الأبرياء المقيمون على جانبي الحدود، الذين يدفعون ثمن الاشتباكات اليومية في أرواحهم وممتلكاتهم. القصف المتبادل أدى إلى تهجير عائلات وإغلاق طرق التجارة وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، ما يفاقم الأوضاع المعيشية ويغذي مشاعر الغضب واليأس في المناطق الحدودية.
ثالثًا، تقع على المجتمع الدولي، ولا سيما الدول الإسلامية الكبرى والمنظمات الإقليمية، مسؤولية التحرك العاجل لاحتواء الأزمة. فـ منظمة التعاون الإسلامي، إلى جانب قطر والسعودية وتركيا، تمتلك من القنوات والعلاقات ما يؤهلها للقيام بدور الوساطة الفاعلة لوقف التصعيد وإعادة الثقة بين الطرفين، قبل أن يتحول الخلاف إلى نزاع طويل الأمد يهدد أمن المنطقة واستقرارها.
رابعًا، من المؤسف أن تُهدر طاقات بلدين مسلمين كبيرين في نزاع حدودي يمكن حله عبر الحوار والدبلوماسية. فبينما يعاني الشعبان من أزمات اقتصادية خانقة وبطالة مرتفعة، لا مبرر لتوجيه الموارد والجهود نحو مواجهة عسكرية لا طائل منها. إنّ ما تحتاجه باكستان وأفغانستان اليوم هو التعاون والتكامل الاقتصادي والأمني، لا التصعيد وسفك الدماء.
خلاصة القول:
ما تشهده الحدود الباكستانية – الأفغانية هو صراع عبثي سياسيًا وإنسانيًا وأخلاقيًا، لا يخدم سوى أعداء الاستقرار في المنطقة. المطلوب فورًا وقف إطلاق النار وفتح قنوات حوار مباشر برعاية إقليمية، فدماء الأبرياء لا يجوز أن تُراق بسبب خلافات يمكن تجاوزها بالعقل والحكمة. إنّ مسؤولية القادة في إسلام آباد وكابول اليوم هي إخماد نار الفتنة قبل أن تمتد وتحرق الجميع.