تابعتُ باهتمام خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم أمس. أنصتُ جيداً لكلماته، ورصدتُ لغة جسده، كما لاحظتُ تعابير وجوه أعضاء وفده المرافق. وبعد كل ذلك، أجد نفسي مضطرة للقول ـ وبمنتهى الوضوح المهني ـ إن هذا الرئيس يعاني من اضطراب نفسي واضح، ويستند في خطابه إلى الكذب والمبالغة والجهل، دون أن أرى في ذلك انتقاصاً من القيم المهنية التي ألتزم بها كإعلامية.
أولاً: الاضطراب النفسي والنرجسية
افتتح ترامب خطابه بسخرية جارحة من الأمم المتحدة، واصفاً إياها بأنها “درج متحرك معطل” و”جهاز تلقين سيئ”. تجاهل تماماً أن بلاده نفسها كانت ولا تزال من أبرز معطلي المنظمة: بالفيتو المتكرر، وبالانسحابات من وكالاتها، وحتى بعرقلة اتفاقية المقر حين تشاء.
اتهم المنظمة بأنها تشجع الهجرة غير الشرعية وتغض الطرف عن الاتجار بالبشر، ثم مضى في خطاب مليء بالتناقضات. ففي لحظة تبجح بأنه أوقف سبعة نزاعات دولية، وفي لحظة أخرى تباهى بأنه شارك بنفسه في بعضها! والأمثلة كثيرة: من “حرب” مزعومة بين مصر وإثيوبيا، إلى ادعائه إنهاء الصراع بين إسرائيل وإيران، في حين كان يفاخر بتقويض البرنامج النووي الإيراني.
خطابه لم يخلُ من النرجسية المفرطة، إذ نسب إلى نفسه دور “صانع السلام” بينما تُظهر تقارير مراكز الأبحاث أن فترته الأولى وحدها شهدت عشرات النزاعات المسلحة في مختلف أنحاء العالم.
ثانياً: وهم المعرفة
لم يكن حديثه عن المناخ أقل صدمة، فقد وصف أزمة المناخ بأنها “أكبر خدعة في التاريخ”، واتهم علماء البيئة بأنهم “أغبياء للغاية”. هذا الموقف يتجاهل ما توصلت إليه تقارير منظمة الصحة العالمية والجامعات الأمريكية حول الخسائر الاقتصادية الهائلة التي يتسبب بها الاحتباس الحراري والكوارث الطبيعية، والتي تجاوزت 320 مليار دولار عام 2024 فقط.
اقتصادياً، رفع شعار “أمريكا أولاً” ولوّح بالرسوم الجمركية، لكن الأرقام جاءت عكس وعوده: البطالة ارتفعت، التضخم ازداد، والأسعار واصلت الصعود. أما استطلاعات الرأي، فقد أظهرت أن أغلبية الأمريكيين غير راضين عن سياساته التجارية، التي أضرت بسلاسل التوريد ووسّعت الفجوة التجارية مع الصين.
ثالثاً: الملف الفلسطيني
أما في ما يخص غزة، فقد دعا ترامب إلى وقف الحرب “فوراً”، لكنه لم يأتِ على ذكر الجرائم الموثقة دولياً ولا على تقارير محكمة العدل الدولية أو المطالب الأممية بحل الدولتين. انشغل فقط بالرهائن الإسرائيليين وبخطاب يستهدف حركة حماس، متجاهلاً أن 156 دولة اعترفت بدولة فلسطين، ومتغاضياً عن مسؤولياته كرئيس يخاطب العالم من على منبر الأمم المتحدة.
خاتمة
خطاب ترامب الأخير لم يكن سوى مزيج من النرجسية والتضليل والجهل، لكنه في المقابل عاد من الخليج محمّلاً بالهدايا، وحظي بترحيب مبالغ فيه من بعض وزراء الخارجية العرب، وكأنه “المخلّص” أو “النبي”. والحقيقة أن الولايات المتحدة أكبر من أن تختزل في شخص يحمل كل هذه الاضطرابات، وأكبر من أن يُنظر إليها من خلال عدسة رجل لا يجيد سوى المبالغة والادعاء.