محلية

الهدنة تحت النار… هل تعود غزة إلى نقطة الصفر؟

الهدنة تلفظ أنفاسها الأخيرة… وغزة تعود إلى ليل النار

قراءة في مشهد الهدوء الهش والتوازنات المتغيرة


لم تكد تمر أسابيع قليلة على توقيع اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار في غزة، حتى بدأت ملامح الهدنة تتلاشى أمام تصعيد ميداني متسارع. فبعد فترة هدوء نسبي أعقبت الحرب المدمرة، عادت غزة إلى مشهد مألوف: ليل من النيران والغارات، وهدنة تقف على حافة الانهيار.

تثير التطورات الأخيرة سؤالًا محوريًا: هل انتهت الهدنة فعليًا؟ أم أنها لا تزال قائمة في الشكل فقط، بينما تنهار تدريجيًا على أرض الواقع؟


اتفاق شرم الشيخ: من التفاؤل إلى أول اختبار

جاء الاتفاق ثمرة وساطة مصرية–قطرية–أميركية مكثفة لإنهاء الحرب، وتضمّن ثلاث مراحل رئيسية:

  • وقف شامل لإطلاق النار والعمليات العسكرية.
  • تبادل الأسرى والمحتجزين على مراحل تحت إشراف دولي.
  • استئناف المفاوضات السياسية بشأن إعادة الإعمار وترتيبات ما بعد الحرب.

ورغم أن الأيام الأولى حملت مؤشرات إيجابية، أبرزها توقف القتال وتدفق المساعدات، إلا أن أول خرق ميداني سرعان ما أعاد الأوضاع إلى نقطة التوتر.


تصعيد من رفح إلى الشمال

التطور الأخطر كان هجومًا على دورية إسرائيلية قرب حدود غزة، أعقبه رد إسرائيلي عنيف بغارات استهدفت رفح وخان يونس، وأوقعت عشرات القتلى الفلسطينيين.

كما أغلقت إسرائيل معبر رفح مؤقتًا، مانعة دخول المساعدات، في خطوة رأت فيها الفصائل الفلسطينية إعلانًا عمليًا لانهيار الاتفاق.

وبرغم تبرير تل أبيب أن الرد “محدود”، فإن حجم الضربات أعاد أجواء الحرب وأثار تساؤلات حول جدية الالتزام بالهدنة.


مواقف رسمية متباينة

  • إسرائيل: تؤكد أن الهدنة “سارية من حيث المبدأ”، لكنها ترفض الالتزام الكامل ببنودها، مثل تسليم الأسرى أو فتح المعابر، وهو ما يعكس نهجًا انتقائيًا يخدم مصالحها.
  • حماس والفصائل: تعلن تمسكها بالاتفاق، لكنها تحمّل إسرائيل مسؤولية التصعيد، وترى أن القصف والإغلاق المتواصلين يمثلان “تصعيدًا بطيئًا نحو الحرب”.
  • الوسطاء (مصر، قطر، الولايات المتحدة): يتحركون لاحتواء الموقف، مع تركيز مصري خاص على منع انهيار كامل قد يضعف مصداقية دور القاهرة.

أسباب هشاشة الهدنة

  1. غياب الثقة: الاتفاق جرى بين طرفين لم تتغير أهدافهما الاستراتيجية، ما يجعل أي حادث قابلًا لتفجير الوضع.
  2. ضغوط داخلية: الحكومة الإسرائيلية تواجه ضغط اليمين الرافض للهدنة، فيما تواجه الفصائل ضغوط الشارع المحاصر.
  3. الأزمة الإنسانية: استمرار تدهور الأوضاع المعيشية يجعل أي تأخير أو إغلاق للمعابر شرارة محتملة للانفجار.
  4. ضعف الرقابة: غياب آلية ميدانية فعالة لمتابعة الالتزام جعل تقييم الخروقات خاضعًا للحسابات السياسية.

ارتدادات إقليمية محتملة

  • مصر: تقف أمام اختبار دبلوماسي حاسم؛ فنجاحها في تثبيت الهدنة كان مكسبًا سياسيًا، أما انهيارها فيعني خسارة رمزية كبيرة.
  • الخليج ودمشق: يواجهان فراغًا أمنيًا جديدًا يعطل خطط إعادة الإعمار ويعيد الاعتبارات الأمنية إلى الواجهة.
  • الولايات المتحدة: قد تجد نفسها في مأزق دبلوماسي بعد أن قدمت الاتفاق كإنجاز للسياسة الأميركية.
  • الفصائل الفلسطينية: تواجه احتمالات تشديد الحصار وتراجع التأييد الشعبي لأي تسوية سياسية.

سيناريوهات قادمة

  1. الانهيار الكامل: تصعيد متبادل يقود إلى مواجهة شاملة، مع احتمال دخول أطراف إقليمية غير مباشرة.
  2. الجمود العسكري: هدنة هشة مع اشتباكات متقطعة دون انهيار شامل، في مشهد يشبه “إدارة الأزمة لا حلها”.
  3. الإنقاذ السياسي: عبر ضغوط دولية وتفاهمات جديدة تعيد تثبيت الاتفاق، وهو السيناريو الأقل احتمالًا حاليًا.

خلاصة

هدنة شرم الشيخ لم تُلغَ رسميًا، لكنها فقدت مضمونها الميداني بفعل الخروقات المتكررة.

تتعامل إسرائيل مع الهدنة كأداة تفاوضية، فيما تراها الفصائل فرصة لإعادة ترتيب صفوفها. وبين هذا وذاك، يبقى الوضع الإنساني المتدهور في غزة هو العامل الأكثر قابلية لإشعال فتيل الانفجار.

في النهاية، لا الحرب انتهت ولا السلام تحقق؛ بل يقف المشهد على خط هش يفصل بين الهدوء والانفجار. ويبقى مستقبل الهدنة مرهونًا بقدرة الوسطاء، خاصة القاهرة، على منع الانزلاق إلى مواجهة جديدة، وبمدى استعداد الأطراف للتعامل مع الهدنة كضرورة إنسانية وسياسية، لا مجرد ورقة تفاوض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى