
في كل مرة يُطرح ملف الموازنة، نسمع حديثًا متكررًا عن العجز المالي وعن الاعتماد على القروض الداخلية لسد الفجوة. لكن ما يغيب عن النقاش الجاد هو أن هذه القروض لم تعد مجرد حل مؤقت، بل تحولت إلى أزمة صامتة تكبر يومًا بعد يوم.
أزمة تتفاقم
لم يعد ملف الديون الداخلية في العراق موضوعًا ماليًا صرفًا، بل تحول إلى قضية اقتصادية واجتماعية تثير القلق. فبحسب بيانات البنك المركزي، تجاوز الدين الداخلي حاجز 87 تريليون دينار منتصف 2025، بينما تتحدث تقارير أخرى عن وصوله إلى 92 تريليونًا، وهو رقم قياسي لم يشهده العراق منذ عقدين.
أين تذهب الأموال؟
تؤكد مصادر اقتصادية أن أغلب القروض تُوجَّه لتغطية النفقات الجارية مثل الرواتب والدعم، لا للاستثمار في مشاريع إنتاجية. وهنا تكمن الخطورة: “القروض التي لا تخلق عوائد مستقبلية تتحول إلى عبء متراكم”، كما يوضح أحد الخبراء الماليين.
ضغط على البنوك
البنوك العراقية، بدورها، وجدت نفسها أمام خيار أسهل: شراء سندات حكومية بفوائد مضمونة، بدل المخاطرة بتمويل القطاع الخاص. النتيجة كانت واضحة، بحسب مراقبين: تراجع الإقراض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما حدّ من فرص النمو وخلق الوظائف.
المقارنة الإقليمية
إذا نظرنا إلى تجارب دول الجوار، نرى أن الاقتراض الداخلي يُستخدم غالبًا لدعم مشاريع البنية التحتية أو لتحريك القطاع الخاص. أما في العراق، فالأمر مختلف: الدين الداخلي يُستخدم كـ”مسكن قصير الأجل” لعجز الموازنة، من دون خطة طويلة الأمد لضمان استدامته.
المستقبل على المحك
يحذر خبراء من أن استمرار هذا النهج سيحوّل الديون الداخلية إلى “كرة ثلج” تتدحرج نحو أزمة أكبر. الوقت ما زال متاحًا لوضع استراتيجية واقعية يضيف أحد الاقتصاديين، مشيرًا إلى ضرورة تنويع الإيرادات، تقليل الهدر، ورفع الشفافية في إدارة المالية العامة.