حين يعقّ الآباء أبناءهم.. وجع لا يُروى

بقلم: رشا فوزي
في مجتمعاتنا، كثيرًا ما نسمع عن عقوق الأبناء وعن قصص الجحود والنكران التي تُروى من منظور الآباء لكننا نادرًا ما نلتفت إلى الجانب الآخر من الحقيقة عقوق الآباء للأبناء.
ذلك العقوق الصامت الذي لا يجد من يتحدث باسمه، رغم أنه يترك في النفوس جراحًا أعمق ويمتد أثره إلى الحياة كلها.
الأبوة ليست سيفًا مسلطًا على رقاب الأبناء بل عهدًا يقوم على الحب والرعاية والاحترام.
فكم من أب يظن أن الهيبة تُبنى بالصوت العالي وكم من أم تبرر قسوتها باسم الحرص والخوف
لكنّ القلوب التي تُربّى على الخوف لا تتعلم الاحترام بل الانكسار.
القسوة اللفظية التمييز بين الأبناء، الإهمال العاطفي، والتقليل من شأن أحلامهم جميعها أشكال من العقوق النفسي الذي يمارسه الكبار دون أن يشعروا.
فالابن الذي يسمع التوبيخ أكثر مما يسمع كلمات الدعم، سيكبر وهو يشكّ بقيمته، والابنة التي تُقارن دائمًا بغيرها، ستفقد ثقتها بنفسها قبل أن تعرف الحياة حقًا.
بعد الزواج.. اختبار جديد للعلاقة
يبلغ عقوق الآباء ذروته أحيانًا بعد زواج الأبناء، حين يتحول بعض الآباء إلى خصوم خفيين في حياة أبنائهم، لا يرضيهم استقلالهم، ولا يتقبلون فكرة أن لهم حياة وقرارات خاصة.
يتدخل الأب في تفاصيل بيت ابنه وتراقب الأم زوجة ابنها بعين الشك والغيرة وكأنها غريبة اقتحمت عالمًا مغلقًا.
لكنّ الاستقلال لا يعني الجحود وابتعاد الابن عن بيت والديه لا يعني العقوق، بل هو امتداد طبيعي للنضج والمسؤولية.
إن أخطر ما يهدد العلاقات الأسرية هو تحويل الحب إلى أداة ضغط والحنان إلى قيد.
فكم من أبناء اضطروا للابتعاد حفاظًا على استقرار حياتهم الزوجية، وكم من حفيدٍ وُلد بعيدًا عن جده وجدته بسبب خلافات لم يكن طرفًا فيها.
حين نتحدث عن برّ الوالدين علينا ألا ننسى أن للأبناء أيضًا حق البرّ من آبائهم:
حقّ في الكلمة، وحقّ في الاختلاف، وحقّ في أن يُعاملوا كأفرادٍ لهم مشاعرهم وخياراتهم.
الأسرة التي تُبنى على الاحترام لا تعرف الأوامر بل الحوار.
ليس في الاعتراف بعقوق الآباء انتقاص من مكانتهم، بل تصحيح لمفهوم مغلوط ترسّخ عبر الأجيال.
فالأبوة والأمومة ليستا امتلاكًا للأبناء بل رعايةً وحكمةً واحتواءً حتى في لحظات الخلاف.
الآباء الذين يمنحون أبناءهم الحب والثقة لا يحتاجون أن يطالبوا بالبر لأن البر يأتي طوعًا من قلب امتلأ بالامتنان لا بالخوف.
أما الذين يستخدمون السلطة واللوم الدائم، فيزرعون مسافات لا تُردم بسهولة.
إنّ الحديث عن عقوق الآباء ليس دعوة للتمرد بل صرخة وعي تقول إن الأسرة المتوازنة لا تعرف ظالمًا ولا مظلومًا بل تقوم على العدالة والرحمة المتبادلة.
فالأب الحقيقي ليس من يُرعب أبناءه ليُطاع بل من يجعلهم يحبّونه ليُتّبع



