محلية

السوداني بين السلطة المطلقة والقرار الفردي ..إدارة دولة أم إدارة مكتب؟

 

في المشهد السياسي العراقي اليوم، تتزايد الأسئلة داخل الأوساط السياسية والإعلامية حول طبيعة إدارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للحكومة:
هل هي إدارة تشاركية كما يُفترض في نظامٍ برلماني تعددي، أم أن الرجل بات يتخذ قراراته الكبرى بعيدًا عن فريقه الوزاري، معتمدًا على دائرة ضيقة من المستشارين والمقرّبين؟

السلطة التي تتركّز في اليد الواحدة

منذ تولي السوداني رئاسة الحكومة، بدا واضحًا أنه لا يترك الملفات الحساسة تمر عبر القنوات الوزارية التقليدية.
قرارات التعيين، الإعفاء، وإدارة المؤسسات الأمنية والإدارية الكبرى، كثير منها يصدر مباشرة من مكتبه، دون المرور بالمداولات المعتادة داخل مجلس الوزراء.
وبحسب تقارير إعلامية عراقية، فإن “عددًا من التغييرات في المناصب القيادية تمّ بأوامر مباشرة من رئيس الحكومة، دون تصويت أو استشارة الوزراء المعنيين”.

في الظاهر، يبدو هذا نوعًا من الانضباط التنفيذي الذي يسعى إلى تجاوز البيروقراطية، لكن في جوهره يعكس نمطًا من الانفراد بالحكم حيث تتركّز مفاتيح القرار في يد شخص واحد.

“سودنة” الدولة.. أم إعادة ترتيبها؟

ظاهرة “سودنة الدولة” التي تحدّثت عنها بعض التقارير، باتت محورًا متكررًا في النقاشات داخل الإطار التنسيقي نفسه.
فوفقًا لموقع الاستقلال، شملت التعيينات خلال العامين الماضيين أكثر من مئة موقع حكومي حساس أُسندت إلى شخصيات قريبة من رئيس الوزراء أو من أبناء عشيرته.
الخطورة هنا ليست في الجانب الاجتماعي، بل في أن هذه التعيينات تتم غالبًا من داخل مكتب رئيس الوزراء، ما يجعل الوزارات التنفيذية تبدو كأنها مجرد واجهات لقرارات تُطبخ في مكان آخر.

حتى شركاؤه السياسيون بدأوا يلمّحون، وإن بهدوء، إلى أن آلية إدارة الملفات تجاوزت أحيانًا صلاحيات الوزراء.
أحد قياديي الإطار التنسيقي عبّر قبل أشهر عن “قلق من تضخّم مكتب رئيس الوزراء وتهميش الوزراء في القرارات المفصلية

قرارات سريعة.. لكن بلا مشورة واضحة

في أكثر من مناسبة، فُوجئ الرأي العام بقرارات تنفيذية حساسة صدرت فجأة من إعادة هيكلة المنافذ الحدودية، إلى تغييرات في الأجهزة الأمنية، أو قرارات اقتصادية تتعلق بسوق العمل والدينار.
في كل مرة، يَظهر السوداني أمام الإعلام لشرح المبررات، لكن دون ذكر مَن شاركه القرار أو مَن ناقشه معه من الوزراء.
هذه الصورة المتكررة تعطي انطباعًا بأن الحكومة تتحرك بعقلٍ واحد، لا بفريقٍ حكومي متكامل كما يُفترض في نظام مؤسساتي.

بين القيادة والهيمنة

لا يمكن إنكار أن السوداني يتمتع بحضور إداري قوي، ويُحسب له أنه يتابع الملفات اليومية بنفسه، ما جعل بعض العراقيين يرونه “رئيس حكومة فعلي بعد سنوات من التشتت”.
لكن في المقابل، يطرح هذا الأسلوب سؤالًا جوهريًا:
هل نحن أمام رئيس وزراء قائد، أم رئيس وزراء متفرّد لا يرى في الوزراء سوى منفذين لإرادته؟

الخط الفاصل بين “القيادة” و“الهيمنة” رفيع جدًا، وغالبًا ما يتلاشى حين يصبح المكتب التنفيذي أكبر من الحكومة نفسها.

وزراء بلا وزن؟

في لقاءات عديدة، اشتكى بعض الوزراء السابقين من أن دورهم “صار استشارياً أكثر من كونه تنفيذياً”، وأن “القرارات تُنسّق في القصر الحكومي قبل أن تُعرض علينا”.
هذه الشهادات غير الرسمية – التي تكررت في مجالس سياسية – تكشف نمطًا متناميًا من إدارة مركزية مطلقة، يختصر الدولة في شخص واحد ومكتبه.
بل إن بعض النواب تحدّثوا عن أن الوزراء يكتشفون القرارات في الإعلام قبل أن تُعرض عليهم رسميًا.

دولة الرجل الواحد

ربما يبرّر السوداني هذا النهج بأنه أسلوب عمل سريع في ظل أزمة إدارية خانقة، لكن النتيجة العملية تبقى واحدة:
تراكم السلطات في يد رئيس الوزراء، وتراجع دور الوزراء واللجان، ما يجعل العراق اليوم أقرب إلى “نظام الرئاسة التنفيذية” منه إلى “نظام المجلس الوزاري”.

إن إدارة الدولة بعقلية المكتب قد تُنتج قرارات سريعة ومباشرة، لكنها تُضعف روح المشاركة، وتخلق وزراء بلا سلطة، ومؤسسات بلا قرار.
وما لم يُعَد التوازن بين السلطة والمسؤولية، سيبقى السؤال مفتوحًا
هل يحكم السوداني حكومةً… أم يحكم منفردًا باسمها؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى